فصل: باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها

1 - عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال ‏(‏أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وان أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وان لا أعطي الجازر منا شيئا وقال نحن نعيه من عندنا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن أبي سعيد ‏(‏أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قام فقال أني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ليسعكم وأني أحله لكم فكلوا ماشئتم ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحي وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها وان أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم‏.‏

متفق عليه‏.‏

حديث قتادة ذكره صاحب الفتح ولم يتعقبه مع جرى عادته بتعقب ما في ضعف‏.‏ وقال في مجمع الزوائد أنه مرسل صحيح الإسناد انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أقوم على بدنه) أي عند نحرها للاحتفاظ بها ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك‏.‏ ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن‏.‏ ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره أنها مائة بدنة وقد تقدم ما روى من أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بدنة كما في رواية أبي داود أو ثلاثا وستين كما في رواية مسلم وهي الأصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واجلتها) جمع جلال بضم الجيم وتخفيف اللام وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه ويجمع أيضا على جلال بكسر الجيم قوله ‏(‏وان لا أعطي الجازر منها شيئا) فيه دليل على أنه لا يعطى الجازر شيئا البتة وليس ذلك المراد به المراد أنه لا يعطى لأجل الجزارة لا لغير ذلك‏.‏ وقد بين النسائي ذلك في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج قال ابن خزيمة والمراد أنه يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمره به من أن يأخذ من كل بدنة بضعة كما في حديث جابر الطويل عند مسلم‏.‏

والحديث يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدى الذي نحره على وجه الأجرة وقال القرطبي ولم يرخص في إعطاء منها لأجل إلا الحسن البصري وعبد اللّه بن عبيد بن عمير انتهى‏.‏ وقد روى ابن خزيمة والبغوي انه يجوز إعطؤه منها إذا كان فقيرا بعد توفير أجرته من غيرها‏.‏ وقال غيرهما ان القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كما لا تجوز الأجرة وذلك لانها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لاجل ما يعطاه من اللحم على وجه الصدقة أو الهدية وقد استدل به على نمع بيع الجلد والجلال قال القرطبي فيه دليل على ان جلود الهدى وجلالها لاتباع لعفهما على اللحم وإعطئهما حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال‏.‏ وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماشئتم) فيه إطلاق المقدار الذي يأكله المضحي من أضحيته وتفويضه إلى مشيئته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تبيعوا لحوم الأضاحي) فيه دليل على منع بيع لحوم الأضاحي وظاهره التحريم وقد بين الشارع وجوه الانتفاع في الأضحية من الاكل والتصدق والادخار والائتجار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها) فيه رد على الأوزاعي ومن معه وفيه أيضا الأذن بالانتفاع بها بغير البيع‏.‏ وقد روى عن محمد بن الحسن ان له ان يشتري بمسكها غربالا أو غيرها من آلة البيت لا شيئا من المأكول‏.‏ وقال الثوري لا يبيعه ولكن يجعله سقائ وشنا في البيت وهو ظاهر الحديث‏.‏ قوله وان أطعمتم) الخ فيه دليل على أنه يجوز لمن أطعمه غيره من لحم الأضحية ان يأكل كيف شاء وان كان غنيا‏؟‏

 باب من أذن في انتهاب أضحيته

1 - عن عبد اللّه بن قرط ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال أعظم الأيام عند اللّه يوم النحر ثم يوم القر وقرب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خمس بدنات أو ست ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها فسألت بعض من يليني ما قال قالوا قال من شاء اقتطع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وقد احتج به من رخص في نثار العروس ونحوه‏.‏

الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان في صحيحه وسكت عنه أبو داود والمنذري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن قرط) بضم القاف وآخره طاء مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم النحر) هو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد لما في البخاري أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات وقال هذا يوم الحج الأكبر‏.‏

وفي الحديث دلالة على أنه أفضل أيام السنة ولكنه يعارضه حديث خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وقد تقدم في أبواب الجمعة وتقدم الجمع ويعارضه أيضا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما من يوم أفضل عند اللّه من يوم عرفة ينزل اللّه تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة) وقد ذهبت الشافعية إلى أنه أفضل من يوم النحر ولا يخفى الباب ليس فيه إلا أن يوم النحر أعظم وكونه أعظم وان كان مستلزما لكونه أفضل لكنه ليس كالتصريح بالأفضلية كما في حديث جابر اذ لا شك أن الدلالة المطابقية أقوى من الالتزامية فإن أمكن الجمع بحمل أعظمية يوم النحرعلى غير الأفضلية فذاك وإلا يمكن فدلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوى من دلالة حديث عبد اللّه بن قر على أفضلية يوم النحر قوله‏:‏ ‏(‏يوم القرط) بفتح القاف وتشديد الراء وهو اليوم الذي يلي يوم النحر سمى بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا ومعنى قروا واستقروا ويسمى يوم النفر الأول ويوم الأكارع قوله (يزدلفن‏) أي يقترين واصل الدال تاء ثم أبدلت منه ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات ومنه قوله تعالى ‏{‏وأزلفت الجنة للمتقين‏}‏ وفي هذه معجزة ظاهرة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حيث تسارع إليه الدواب التي لا تعقل لأراقة دمها تبركا به فياللّه العجب من هذا النوع الإنساني كيف يكون هذا النوع البهيمي أهدى من أكثره وأعرف تقرب إليه هذه العجم لإزهاق أرواحها‏.‏ وفرى أوداجها وتتنافس في ذلك وتتسابق إليه ومع كونها لا ترجو جنة ولا تخاف نارا ويبعد ذلك الناطق العاقل عنه مع كونه ينال بالقرب منه النعيم الأجل والعاجل ولا يصيبه ضرر في نفس ولا مال حتى قال القائل مظهرا لندة حرصه على قتل المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم أين محمد لانجوت إن نجا وأراق الآخر دمه وكسر ثنيته فانظر إلى هذا التفاوت الذي يضحك منه ابليس ولأمر ما كان الكافر شر الدواب عند اللّه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما وجبت جنوبها) أي سقط إلى الأرض جنوبها والوجوب السقوط ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من شاء اقتطع) أي من شاء أن يقطع منها فليقتطع هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية واستدل به على جواز انتهاب نثلر العروس كما ذكره المصنف‏.‏

ومن جملة من استدل به البغوي ووجه الدلالة قياس انتهاب النثار على انتهاب الأضحية وقد رويت في النثار وانتهابه أحاديث لا يصح منها شيء وليس هذا محل ذكرها وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة انتهاب النثار وروى ذلك عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة وتمسكوا بما ورد في النهي عن النهبي وهو يعم كل ما صدق عليه أنه انتهاب ولا يخرج منه إلا ما خص بمخصص صالح‏.‏

 كتاب العقيقة وسنة الولادة

1 - عن سلمان بن عامر الضبي قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلما‏.‏

2 - وعن سمرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كل غلام وهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

3 - وعن عائشة قالت ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين) رواه أحمد وابن ماجه‏.‏

4 - وعن أم كرز الكعبية ‏(‏أنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو أناثا‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

حديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه عبد الحق وهو من رواية الحسن عن سمرة والحسن مدلسة لكنه روى البخاري في صحيحه من طريق الحسن أنه سمع حديث العقيقة من سمرة‏.‏ قال الحافظ كأنه عنى هذا وقد تقدم قوله من قال أنه لم يسمع منه غيره‏.‏ وحديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وحديث أم كرز أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم والدارقطني‏.‏ قال في التلخيص له طرق عند الأربعة والبيهقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مع الغلام عقيقه) العقيقة الذبيحة التي تذبح للمولود والعق في الأصل الشق والقطع‏.‏ وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها بالذبح وقد يطلق اسم العقيقة على شعر المولود وجعله الزمخشري الأصل والشاة مشتقة منه قوله‏:‏ ‏(‏فاهر يقوا عنه دما) تمسك بهذا وببقية الأحاديث القائلون بأنها واجبة وهم الظاهرية والحسن البصري وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقيل أنها عند تطوع ـ ‏احتج الجمهور‏ ـ بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل) وسيأتي ذلك يقتضي عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى الندب وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة على عدم الوجوب والسنية ولكنه لا يخفى أنه لا منافاة بين التفويض إلى الأختيار وبين كون الفعل الذي وقع فيه التفويض سنة‏.‏ وذهب محمد بن الحسن إلى أن العقيقة كانت في الجاهلية وصدر الإسلام فنسخت بالاضحية وتمسك بما سيأتي ويأتي الجواب عنه‏.‏ وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن العقيقة جاهلية محاها الاسلام وهذا ان صح عنه حمل على انها لم بتلغه الأحاديث الواردة في ذلك‏.‏ قوله ‏(‏وأميطوا عنه الأذى) المراد احلقوا عنه شعر رأسه كما في الحديث الذي بعده‏.‏ ووقع عند أبي داود عن ابن سيرين أنه قال ان إن لم يكن الأذى حلق الرأس وإلا فلا أدرى ما هو‏.‏ وأخرج الطحاوي عنه أيضا قال لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس‏.‏ وأخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن الحسن كذلك‏.‏ ووقع في حديث عائشة عند الحاكم بلفظ ‏(‏وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى) قال في الفتح ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه اقذارةه رواه أبو الشيخ قوله ‏(‏كل غلام رهينة بعقيقته‏)‏‏.‏

قال الخطابي اختلف الناس في معنى هذا فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لابويه وقيل المعنى أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن‏.‏ وقيل أنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها وبه صرح صاحب المشارق والنهاية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يذبح عنه يوم سابعه) بضم الياء من قوله يذبح وبناء الفعل للمجهول وفيه دليل على أنه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه والشخص عن نفسه وفيه أيضا دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة وأنها تفوت بعده وتسقط ان مات قبله وبذلك قال مالك وحكى عنه ابن وهب انه قال ان فات السابع الأول فالثاني ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع فان لم يمكن ففي الرابع عشر فان لن يمكن فيوم أحد وعشرين وتعقبه الحافظ بأنه لم ينقل ذلك صريحا الا عن أبي عبد اللّه البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه‏.‏ ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي عن عبد اللّه بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين) وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات‏.‏ وعن الشافعية ان ذكر السابع للاختيار لا للتعين‏:‏ ونقل الرافعي انه يدخل وقتها بالولادة وقال الشافعي ان معناه انها لا تؤخر عن السابع اختيارا فان تأخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن ان أراد هو أن يعق عن نفسه فعل‏.‏ ونقل صاحب البحر عن الامام يحيى انها لا تجزي قبل السابع ولا بعده اجماعا ودعوى الاجماع مجازفة لما عرفت من الخلاف المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويسمى فيه) في رواية يدعى وقال أبو داود انها وهم من همام‏.‏ وقال ابن عبد البر هذا الذي تفرد به همام ان كان حفظه فهو منسوخ‏.‏ وقد سئل قتادة عن معنى قوله يدمى فقال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أو داجها صم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل عن رأسه مثل الخيط ثم يعلق ثم يغسل رأسه بعد ويحلق‏.‏ وقد كره الجمهور التدمية واستدلوا عن ذلك بما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة ‏(‏قالت كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا بطنه بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس المولود وضعوها على رأسه فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اجعلوا مكان الدم خلوقا) زاد أبو الشيخ ‏(‏ونهى أن يمس رأس المولود بدم‏) وأخرج ابن ماجه عن يزيد بن عبد اللّه المزني ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم‏) وهذا مرسل لأن يزيد لا صحبة له وقد وصله البزار من هذه الطريق وقال عن أبيه ومع هذا فقد قيل إنه عن أبيه مرسل وسيأتي حديث بريدة الأسلمي ونقل ابن حزم عن ابن عمر وعطاء واستحباب التدمية وحكاه في البحر عن الحسن البصري وقتادة‏.‏ وفي قوله ويسمى دليل على استحباب التسمية في اليوم السابع وحمل ذلك بعضهم على التسمية عند المذبح واستدل بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق همام عن قتادة قال يسمى على المولود ما يسمى على الأضحية بسم اللّه عقيقة فلان ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد ‏(‏اللّهم منك ولك عقيقة فلان بسم اللّه واللّه أكبر‏) ولا يخفى بعده لان قوله ‏(‏ويسمى فيه مشعر) بأن المراد تسمية المولود في ذلك اليوم ولو كان المراد ما ذكره ذلك البعض لقال ويسمي عليها‏.‏ قوله ‏(‏مكافئتان) قال النووي بكسر الفاء بعدها همزة هكذا صوابه عند أهل اللغة والمحدثون يقولونه بفتح الفاء قال أبو داود في سننه أي مستويتان أو متقاربتان وكذا قال أحمد قال الخطابي والمراد التكافؤ في السن فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة‏.‏ وقيل معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى وفي هذا الحديث وحديث أم كرز المذكور بعده وكذلك حديث بريدة وابن عباس وأبي رافع وسيأتي دليل على أن المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والإمام يحيى وحكاه للمذهب‏.‏ وحكاه في الفتح عن الجمهور‏.‏ وقال مالك أنها شاة عن الذمر والأنثى قال في البحر وهو المذهب‏.‏

واستدل على ذلك في حديث بريدة الآتي بلفظ ‏(‏كنا نذبح شاة) الخ وبحديث ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا ويجاب عن ذلك بان أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول‏.‏ وأما حديث ابن عباس فسيأتي أيضا في رواية منه أنه عق عن كل واحد بكبشين وأيضا القول أرجح من الفعل وقيل أن في اقتصاره صلى اللّه عليه وآله وسلم على شاة دليلا على أن الشاتين مستحبة فقط وليست بمتعينة والشاة جائزة غير مستحبة‏.‏ وقيل أنه لم يتيسر إلا شاة وأما الأنثى فالمشروع في العقيقة عنها شاة واحدة إجماعا كما في البحر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يضر كم ذكرانا كن أو أناثا) فيه دليل على أنه لافرق بين ذكور الغنم واناثها‏.‏

5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏قال سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول اللّه إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏

6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أمر بتسمة المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب‏.‏

7 - وعن بريدة الأسلمي قال ‏(‏كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء اللّه بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

8 - وعن ابن عباس ‏(‏ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي وقال ‏(‏بكبشين كبشين‏)‏‏.‏

حديث عمرو بن شعيب الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده عمرو بن شعيب وفيه مقال يعني في روايته عن أبيه وجده وقد سلف بيان ذلك‏.‏ وحديثه الثاني أخرجه الحاكم وحديث بريدة أخرجه ايضا أحمد والنسائي قال في التلخيص وإسناده صحيح انتهى‏.‏ وفيه نظر لان في إسناده علي بن الحسين بن وافد وفيه مقال وقد أخرج نحو حديث بريدة هذا ابن حبان وصححه وابن السكن وصححه من حديث عائشة والطبراني في الصغير من حديث أنس والبيهقي من حديث فاطمة والترمذي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والبيهقي من حديث علي عليه السلام وحديث ابن عباس صححه عبد الحق وابن دقيق العيد وأخرج نحوه ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكأنه كره الأسم) وذلك لأن العقيقة التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع فقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا أحب العقوق) بعذ سؤاله عن العقيقة للاشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد ولهذا قال صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏من أحب منكم أن ينسك) ارشادا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة وما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم من قوله مع الغلام عقيقة وكل غلام مرتهن بعقيقته ورهينة بعقيقته فمن البيان للمخاطبين بما يعرفونه لان ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب ويمكن الجمع بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم تكلم بذلك لبيان الجواز وهو لا ينافي الكراهة التي اشعر بها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أحب العقوق) قوله ‏(‏من أحب منكم) قد قدمنا ان التفويض إلى المحبة يقتضي رفع الوجوب وصرف ما أشعر به إلى الندب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مكافأتان) قد تقدم ضبطه وتفسيره‏.‏ قوله ‏(‏أمر بتسمية المولود) الخ فيه مشروعية التسمية في اليوم السابع والرد على من حمل التسمية في حديث سمرة السابق على التسمية عند الذبح وفيه أيضا مشروعية وضع الأذى عنه وذبح العقيقة في ذلك اليوم‏.‏ قوله ‏(‏فلما جاء اللّه بالاسلام) الخ فيه دليل على تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وانه منسوخ كما تقدم وأصرح منه في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه كما تقدم بلفظ ‏(‏فأمرهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا) قوله‏:‏ ‏(‏ونلطخه بزعفران) فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عق عن الحسن والحسين) فيه دليل على أنها تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة من أنه يتعين الأب الا ان يموت أو يمتنع‏.‏ وروى عن الشافعي ان العقيقة تلزم من تلزمه النفقة ويجوز أن يعق الانسان عن نفسه ان صح ما أخرجه البيهقي عن أنس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد البعثة) ولكنه قال انه منكر وفيه عبد اللّه بن محرر بمهملات وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ وقال عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لاجل هذا الحديث‏.‏ قال البيهقي وروى من وجه آخر عن قتادة عن انس وليس بشيء‏.‏ وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس وأخرجه أيضا ابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبد اللّه بن المثني عن ثمامة بن عبد اللّه عن أنس عن أبيه به وقال النووي في شرح المهذب هذا حديث باطل وأخرجه أيضا الطبراي والضياء من طريق فيها ضعف وقد احتج بحديث أنس هذا من قال أنها تجوز العقيقة عن الكبير وقد حكاه ابن رشد عن بعض أهل العلم‏.‏

9 - وعن أبي رافع ‏(‏أن حسن بن علي رضي اللّه عنهما لما ولد أرادت أمه فاطمة رضي اللّه عنها أن تعق عنه بكبشين فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تعقي عنه ولكن احلقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق ثم ولد حسين رضي اللّه عنه فصنعت مثل ذلك‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

10 - وعن أبي رافع قال ‏(‏رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وكذلك أبو داود والترمذي وصححه وقالا ‏(‏الحسن‏)‏‏.‏

11 - وعن أنس ‏(‏أن أم سليم ولدت غلاما قال فقال لي أبو طلحة احفظه حتى تأتي به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأتاه به وأرسلت معه بتمرات فأخذها الني صلى اللّه عليه وآله وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في الصبي وحنكه به وسماه عبد اللّه‏)‏‏.‏

12 - وعن سهل بن سعد قال ‏(‏أتي بالمنذر بن أسيد إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس فلهي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذه فاستفاق النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال اين الصبي فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ما اسمه قال فلان ولكن اسمه المنذر فسماه يومئذ المنذر‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

حديث أبي رافع الأول أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال وقال البيهقي أنه تفرد به ويشهد له ما أخرجه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر بن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده ‏(‏أن فاطمة رضي اللّه عنها وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم رضي اللّه عنهم فتصدقت بوزنه فضة) وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي اللّه عنهم قال ‏(‏عق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الحسن شاة وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم‏.‏ وروى الحاكم من حديث علي رضي اللّه عنه قال ‏(‏أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فاطمة فقال زنى شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطى القابلة رجل العقيقة) ورواه أبو داود في سننه من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا‏.‏ وحديث أبي رافع الثاني أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه أبو نعيم والطبراني من حديثه بلفظ ‏(‏اذن في أذن الحسن والحسين رضي اللّه عنهما) ومداره علي عاصم بن عبيد اللّه وهو ضعيف‏.‏ قال البخاري منكر الحديث وأخرج ابن السني من حديث الحسين بن علي رضي اللّه عنهما مرفوعا بلفظ ‏(‏من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان) وام الصبيان هي التابعة من الجن هكذا أورد الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه قوله‏:‏ ‏(‏لا تعقي عنه) قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى اللّه عليه وآله وسلم عق عنه وهذا متعين لما قدمنا في رواية الترمذي والحاكم عن علي عليه السلام قوله‏:‏ ‏(‏من الورق) قال في التلخيص الروايات كلها متفقة على التصدق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب وقال الرافعي انه يتصدق بوزن شعره ذهبا وان لم يفعل ففضة‏.‏ وقال المهدي في البحر أنه يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ويدل على ذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال ‏(‏سبعة من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقه ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة) وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف وبقية رجاله ثقاة وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطيخ بدم العقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أذن في أذن الحسين عليه السلام) الخ فيه استحباب التأذين في أذن الصبي عند ولادته وحكى في البحر استحباب ذلك عن الحسن البصري واحتج على الاقامة في اليسرى بفعل عمر بن عبد العزيز وهو توقيف وقد روى ذلك ابن المنذر عنه أنه كان إذا ولد له أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى قال الحافظ لم أره عنه مسندا انتهى‏.‏

وقد قدمنا نحو هذا مرفوعا‏.‏ قوله ‏(‏فمضغها) أي لاكها في فيه‏.‏

قوله ‏(‏وحنكه) بفتح المهملة بعدها نون مشددة والتحنيك ان يمضع المحنك التمر أو نحوه حتى يصير مائعا بحيث يبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها في فمه ليدخل شيء منا جوفه قال النووي اتفق العلماء على اسباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلوا قال ويستحب ان يكون من الصالحين وممن يبرك به رجلا كان او امرأة فان لم يكن حاضرا عند المولود حمل إليه وفيه استحباب التسمية بعبد اللّه قال النووي وإبراهيم وسائر الأنبياء الصالحين قال في البحر وعبد الرحمن واستحباب تفويض التسمية إلى أهل الصلاح‏.‏

قوله ‏(‏أسيد) بفتح الهمزة على المشهور وحكى عياض عن أحمد الضم وكذا عن عبد الرزاق ووكيع قوله‏:‏ ‏(‏فلهى‏)‏ روى بفتح الهاء وكسرها مع الياء والأولى لغة طئ والثانية لغة الأكثر ومعناه اشتغل بذلك الشيء قاله أهل الغريب والشراح قوله‏:‏ ‏(‏استفاق) أي فرغ من ذلك الأشتغال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلبناه) أي رددناه وصرفناه وفي الحديث استحباب التسمية بالمنذر‏.‏

فائدة‏:‏ قد وقع الخلاف في ابحاث تتعلق بالعقيقة الأول هي يجزئ منا غير الغنم أم لا فقيل لا يجزئ وقد نقله ابن المنذر في حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي اللّه عنه‏.‏ وقال البوشنجي لا نص للشافعي في ذلك وعندي لا يجزئ غيرها انتهى‏.‏ ولعل وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها ولا يخفى ان مجرد ذكرها لا ينفي اجزاء واختلف قول مالك في الاجزاء وأما الأفضل عند فالكبش مثل الأضحية كما تقدم والجمهور على اجزاء البقر والغنم‏.‏ ويدل عليه ما عند الطبراني وأبي الشيخ من حديث أنس مرفوعا بلفظ ‏(‏يعق عنه من الأبل والبقر والغنم) ونص أحمد على أنها تشترط بدنة أو بقرة كاملة‏.‏ وذكر الرافعي أنه يجوز اشتراك سبعة في الأبل والبقر كما في الأضحية ولعل من جوز اشتراك عشرة هناك يجوز هنا‏.‏ الثاني هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية‏.‏ وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الأشتراط وهو الحق لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل‏.‏ وقال المهدي في البحر مسألة الامام يحيى ويجزيء عنها ما يجزئ أضحية بدنة أو بقرة شاة وسنها وصفتها والجامع التقرب باراقة الدم انتهى ولا يخفى أنه يلزم علىمقتضى هذا القياس ان تثبت أحكام الأضحية في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب متقرب به فيلزم ان يعتبر فيها أحكام الأضحية بل روى عن الشافعي في أحد قوليه ان وليمة العرس واجبة‏.‏ وذهب أهل الظاهر إلى وجوب كثير من الولائم ولا أعرف قائلا يقول بأنه يشترط في ذبائح شيء من هذه الولائم ما يشترط في الأضحية فقد استلزم هذا القياس ما لم يقل به أحد وما استلزم الباطل باطل الثالث‏.‏ في مبدأ وقت ذبح العقيقة وقد اختلف أصحاب مالك في ذلك فقيل وقتها الضحايا وقد تقدم الخلاف فيه هل هو من بعد الفجر أو من طلوع الشمس أو من وقت الضحى أو غير ذلك‏.‏ وقيل أنها تجيء في الليل‏.‏ وقيل لا على حسب الخلاف السابق في الأضحية وقيل يجزئ في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الليل على انه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية‏.‏

 باب ما جاء في الفرع والعتيرة ونسخهما

1 - عن مخنف بن سليم قال ‏(‏كنا وقوفا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بعرفات فسمعه يقول يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة هي التي تسمونها الرجبية‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه والترمذي‏.‏ وقال هذا حديث حسن غريب‏.‏

2 - وعن أبي رزين العقيلي أنه ‏(‏قال يا رسول اللّه ان كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منا ونطعم من جاءنا فقال له لا بأس بذلك‏)‏‏.‏

3 - وعن الحرث بن عمرو ‏(‏أنه لقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حجة الوداع قال فقال رجل يا رسول اللّه الفرائع والعتائر فقال من شاء فرع ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم أضحية‏)‏‏.‏

رواهما أحمد والنسائي‏.‏

4 - وعن نبيشة الهذلى قال ‏(‏قال رجل يا رسول اللّه انا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال اذبحوا للّه في أي شهر كان وبروا اللّه عز وجل وأطعموا قال فقال رجل آخر يا رسول اللّه انا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا قال فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في كل سائمة من الغنم فرع تغذوه غنمك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل فان ذلك هو خير‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

حديث مخنف أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر‏.‏ قال الخطابي هو مجهول والحديث ضعيف المخرج‏.‏ وقال أبو بكر المعافري حديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به‏.‏ وحديث أبي زرين العقيلي أخرجه أيضا البيهقي وأبو داود وصححه ابن حبان بلفظ ‏(‏أنه قال يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم انا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب فنأكل منها ونطعم فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا بأس بذلك) وحديث الحرث بن عمرو أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححاه‏.‏ وحديث نبيشة صححه ابن المنذر وقال النووي أسانيده صححه ـ وفي الباب ـ عن عائشة عند أبي داود والحاكم والبيهقي قال النووي بإسناده صحيح قال ‏(‏أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة) وفي رواية ‏(‏من كل خمسين شاة شاة) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود قال ‏(‏سئل النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن الفرع فقال الفرع حق وأن تتركون حتى يكون بكرا أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل اللّه خير من أن تذبحه فيلزق بحمه بوبره وتكفأ إناءك وتوله ناقتك) يعني ان ذبحه يذهب لبن الناقة ويفجعها قوله ‏(‏في كل عام أضحية) هذا من جملة الأدلة التي تمسك بها من قال بوجوب الأضحية وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏ قوله ‏(‏وعتيرة) بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية كما وقع في الحديث المذكور‏.‏

قال النووي اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا قوله‏:‏ ‏(‏الفرائع) جمع فرع بفتح الفاء والراء ثم عين مهملة ويقال فيه الفرعة بالهاء هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها هكذا فسره أكثر أهل اللغة وجماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأصحابه وقيل هو أول النتاج للأبل وهكذا جاء تفسيره في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي وقالوا كانا يذبحونه لآلهتهم فالقول الأول باعتبار أو نتاج الدابة على انقرادها والثاني باعتبار نتاج الجميع وان لم يكن أول ماتنتجه أمه وقيل هو أول النتاج لمن بلغت ابله مائة يذبحونه‏.‏ قال شمر قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت ابله مائة قدم بكر افنحره لصنمه ويسمونه فرعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى إذا استحمل) في رواية لأبي داود عن نصر بن علي استحمل للحجيج أي إذا قدر الفرع على ان يحمله من أراد الحج تصدقت بلحمه على ابن السبيل وأحاديث الباب تدل على بعضها على وجوب العتيرة والفرع وهو حديث مخنف وحديث نبيشة وحديث عائشة وحديث عمرو ابن شعيب‏.‏ وبعضها يدل على مجرد الجواز من غير وجوب وهو حديث الحرث بن عمرو وأبي رزين فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب؛ وقد اختلف في الجمع بين الأحاديث المذكورة والأحاديث الآتي القاضية بالمنع من الفرع والعتيرة فقيل إنه يجمع بينها بحمل هذا الأحاديث على الندب وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب ذكر ذلك جماعة منهم الشافعي والبيهقي وغيرهما فيكون المراد بقوله لا فرع ولاعتيرة أي لافرع واجب ولا عتيرة واجبة وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ لان المصير إلى الترجيح مع امكان الجمع لا يجوز كما تقرر في موضعه‏.‏ وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى ان هذه الأاحاديث منسوخة بالأحاديث الآتية وادعة القاضي عياض ان جماهير العلماء عن ذلك ولكنه لا يجوز الجزم به الا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت‏.‏

5 - وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا فرع ولاعتيرة والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه والعتيرة في رجب‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏لاعتيرة في الاسلام ولافرع) رواه أحمد‏.‏ وفي لفظ ‏(‏انه نهى عن الفرع والعتيرة) وراه أحمد والنسائي‏.‏

6 - وعن ابن عمر رضي اللّه عنه ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا فرع ولا عتيرة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث ابن عمر رضي اللّه عنه متنه متن حديث أبي هريرة المتفق عليه شاهد لصحته ولم يذكره في مجمع الزوائد بل ذكر حديث ابن عمر الآخران النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال في العتيرة هي حق وفي بعض نسخ المتن رواه ابن ماجه مكان قوله رواه أحمد‏.‏ قوله ‏(‏لا فرع ولاعتيرة) قد تقرر ان النكرة الواقعة في سياق النفي تعم فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة والخبر محذوف وقد تقرر في الأصول ان المقتضى لا عموم له فيقدر واحد وهو الصقها بالمقام وقد تقدم ان المحذوف هو لفظ واجب وواجبة ولكن إنما حسن المصير إلى أن المحذوف هو ذلك الحرص على الجمع بين الأحاديث ولولا ذلك لكان المناسب تقدير ثابت في الاسلام أو مشروع أو حلال كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى‏.‏

وقد استدل بحديثي الباب من قال بأن الفرع والعتيرة منسوخان وهم من تقدم ذكره وقد عرفت ان النسخ لا يتم إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل إنه ناسخ فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف ولا يعكر على ذلك رواية النهي لأن معنى النهي الحقيقي وان كان هو التحريم لكن إذا وجدت قرينة أخرجته عن ذلك ويمكن أن يجعل النهي موجها إلى ما كانوا يذبحونه لاصنامهم فيكون على حقيقته ويكون غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة‏.‏ وقد قيل إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للاضحية في الثواب أو تأكد الاستحباب وقد استدل الشافعي بما روى عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال ‏(‏اذبحوا للّه في أي شهر كان) كما تقدم في حديث نبيشة على مشروعية الذبح في كل شهر ان أمكن قال في سنن حرملة أنها ان تيسرت كل شهر كان حسنا‏.‏

وإلى هنا انتهى النصف الأول من نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار بمعونة العزيز الغفار وصلى اللّه على نبيه المختار وآله الأخيار‏.‏ بك اللّهم أستعين على نيل الأوطار من أسرار منتقي الأخبار متوسلا إليك بنبيك المختار قال المصنف رحمه اللّه تعالى‏.‏